المرحوم الشیخ طه معدانی (الشیخ طاهر الجامعی)؛ نموذج العیش الدینیّ الشعبیّ فی السیاق الاجتماعی لغیزانیه الأهواز / بقلم: حجّه الإسلام الشیخ حمزه مُجدم

 المقدّمه
فی الدراسه السوسیولوجیه للتدیّن فی المجتمعات المحلیّه، یحتلّ دور العلماء الدینیین المنبثقین من صمیم المجتمع موقعًا محوریًا فی إنتاج النظام الأخلاقی، وخفض النزاعات الاجتماعیه، وإعاده إنتاج الثقه العامه. فهؤلاء العلماء لیسوا مجرّد مفسّرین للنصوص الدینیه، بل هم فاعلون أخلاقیون میدانیون؛ تستند مکانتهم لا إلى الهیاکل الرسمیه، بل إلى الرأسمال الأخلاقی والشرعیه الشعبیه.

ویُعدّ المرحوم الشیخ طه معدانی (المعروف بالشیخ طاهر الجامعی) مثالًا بارزًا لهذا النموذج؛ عالمًا دینیًا شریفًا، حسن السّمعه، خطیبًا واعیًا، جسّد التدیّن فی قالب العیش الیومی، والإصلاح الاجتماعی، وتهدئه التوترات.

الجذور العلمیه والأسریه
نشأ المرحوم الشیخ طه معدانی فی أسره علمیه انتقل فیها العلم الدینی، والتقوى الاجتماعیه، والالتزام الأخلاقی عبر الأجیال.
فهو نجل المرحوم الشیخ محمد صالح معدانی، وحفید آیه الله الشیخ سلمان معدانی، أحد تلامذه آیه الله السید أبو الحسن الأصفهانی. ویُظهر هذا الامتداد العلمی ارتباط العائله بـ التقلید الراسخ لحوزه النجف، وبالفقه الاجتماعی الشیعی.

وقد أسهم هذا المنبت العلمی فی تشکیل شخصیه فهمت الدین لا فی العزله، بل فی التفاعل الفاعل مع المجتمع.

الإطار الجغرافی والعیش الاجتماعی
تشکّل العیش الاجتماعی للمرحوم الشیخ طه معدانی أساسًا فی منطقه غیزانیه الأهواز، وهی المنطقه التی کانت تُعرف قدیمًا باسم «الـشاخه». وقد کان مقرّ إقامته ونشاطه فی قریه عرب راشد و**قریه أمّ الذّیّای**.

وفی مثل هذا السیاق، یتجاوز دور العالم الدینی المحلی وظیفه إمام الجماعه أو الواعظ، لیغدو مرجعًا لحلّ النزاعات، وحَکَمًا عُرفیًا، وملاذًا أخلاقیًا للناس. وقد أدّى الشیخ طه معدانی هذا الدور کاملًا من دون تولّی أی منصب رسمی.

الفعل الدینی والوساطه الاجتماعیه
أبرز سِمات الفعل الدینی لدى المرحوم الشیخ طه معدانی کانت شعبیّته. فقد تحوّل بیته، بصوره طبیعیه، إلى ملجأ ومأوى للناس لحلّ الخلافات الأسریه، والنزاعات المحلیه، والمسائل الأخلاقیه.

وقد ارتکز نموذجه السلوکی على جمله من المبادئ:
– تقدیم إصلاح ذات البین على تعمیق النزاع
– تجنّب الأحکام المتسرّعه والمنحازه
– الاعتماد على الإنصاف، وکتمان السرّ، والثقه المتبادله
– الابتعاد عن مظاهر السلطه، والاقتراب من معاناه الناس الحقیقیه

وقد أفرز هذا النهج نموذجًا من الوساطه الاجتماعیه القائمه على الأخلاق، ذات أثر عمیق ومستدام.

الرأسمال الأخلاقی والثقه العامه
لم تکن مرجعیه المرحوم الشیخ طه معدانی نابعه من موقع إداری، بل من رأسمال أخلاقی متراکم فی الذاکره الجمعیه للمجتمع المحلی.
لقد جعلت الصدق، والتواضع، والنزاهه، والعدل اسمه مقترنًا بمفاهیم الأمن الأخلاقی، والعداله غیر الرسمیه، والطمأنینه الاجتماعیه.

وکانت هذه الثقه ثمره لتجربه الناس المعیشه، لا لخطاب دعائی أو انتساب مؤسسی.

استمراریه الإرث الأخلاقی
استمرّ إرث المرحوم الشیخ طه معدانی فی الأجیال اللاحقه من أسرته.
فقد واصل نجله الدکتور محمد أمین الجامعی، الباحث والأستاذ الجامعی، والمشرف على مضیف الزهراء، إعاده إنتاج هذا الرأسمال الأخلاقی فی الحقلین العلمی والاجتماعی.
کما تمثّل حفیدته الدکتوره تقوى الجامعی—ابنه الدکتور محمد أمین الجامعی—بوصفها طبیبه، نموذجًا معاصرًا لـ الخدمه الاجتماعیه القائمه على الالتزام الإنسانی والأخلاق المهنیه.

الخلاصه التحلیلیه
تُظهر الدراسه الحاله لحیاه المرحوم الشیخ طه معدانی (الجامعی) أنّ أکثر أشکال التدیّن الاجتماعی فاعلیه هو ذلک القائم على العیش الأخلاقی، والثقه الشعبیه، والفعل غیر المؤسسی.
وقد کان مثالًا واضحًا لعالم دینی استطاع، من دون أدوات رسمیه، أن یؤدی دورًا راسخًا فی تنظیم العلاقات الاجتماعیه، وخفض النزاعات، وتعزیز التماسک المحلی.

إنّ إرثه لم یُحفظ فی الوثائق المکتوبه بقدر ما بقی حیًّا فی الذاکره الأخلاقیه لأهالی غیزانیه؛ إرثٌ جدیر بالاهتمام فی دراسات سوسیولوجیا الدین، والأخلاق الاجتماعیه، والفقه المعیش.